من سلسلة المستقبليات

من سلسلة المستقبليات،
نظرات مبدأية حول إقتصاد البترول وإقتصاد البقر:

برميل البترول اليوم أرخص كثيراً من برميل اللبن، بمعنى تربي بقر وتحلبها تكسب أضعاف ما يكون عندك بئر بترول محتاج تحفر له كيلومترات تحت الأرض عشان تطلعه وبعدين تكرره وتشغل آلاف من البشر والمهندسين والمتخصصين.

فبرميل البترول عشان يبقى جاهز للبيع محتاج شركات تنقيب وحفر وإستخراج وتكرير وخلافه.

أما برميل اللبن فلا يحتاج غير بقرة وماكينة سحب اللبن وبستره وبعدين تبيعه لبن خام أو جبنة أو زبادي. ولا محتاج أيدي عاملة ولا مهندسين ولا شيء تقني عالي. فقط إناث البقر بصحة جيدة.

عمرك سمعت عن دولة زي بلجيكا أو هولندا أو فرنسا أو فنلندا من الدول التي تمتلك عدداً هائلاً من الأبقار وتسيطر على صناعة الأجبان مثلاً تحت الحصار العسكري بسبب تحكمها في تربية البقر وفي سعر اللبن وسوق الجبن عالمياً؟

لكن انظر بالمقابل لحصار العراق وحصار إيران وحصار فنزويلا وحصار روسيا وكثير من دول البترول.

بإختصار نعيش بعالم يشتد فيه التنافس بين الأقوياء والتصارع على السلطة والثروة، ومن يخرج منتصراً يحدد سعر كل شيء من الماء للتراب للبترول.

وفي عام ٢٠١٦ ستسقط أغلب شركات البترول متوسطة الحجم وستذوب الشركات الأصغر منها ومعها ستنهار إقتصاديات دول تعتمد على تلك الشركات بالكلية.

وأزمة إنهيار سعر البترول سيمتد أثرها لكل شيء. فبحسبة بسيطة ، بفرض أن العالم ينتج ويتداول ٢٠ مليون برميل بترول يومياً، هذا يعني بسعر ١٥٠ دولار للبرميل، حوالي ٣ مليار دولار يومياً، يعني حوالي ترليون دولار سنوياً، حين يهبط السعر إلي عشرين دولارا للبرميل، هذا يعني حجم تداول فقط ٤٠٠ مليون دولار يوميا، يعني ١٥٠ مليار دولار سنويا فقط. هذه الخسارة الإجمالية بحدود ٨٥٠ مليار دولار، ستصيب إقتصاديات كثير من الدول بالشلل، بينما ستنتعش إقتصاديات دول آخرى، تبيع برميل اللبن وبرميل الماء بأغلى من برميل البترول. والأرقام الحقيقية للخسارة أكبر من ذلك بكثير بحساب الصناعات البترولية المباشرة والغير مباشرة.

وستظل شركة آبل تحقق ٢٠٠ مليار دولار سنويا مبيعات لأجهزتها وستظل شركة ميكروسوفت تحقق ١٠٠ مليار سنويا لأنظمتها وكذلك باقي شركات التقنية الأمريكية. وقد يصيب بعض الضرر هذه الشركات ولكن بصورة هامشية.

بإختصار، المستقبل لمن يملك التقنية ولمن يملك الغذاء ويملك الماء. أما الوقود ففي صراع القوى الحالي المحتدم عالمياً، سينتهي الإقتصاد المعتمد بالأساس على البترول كوقود ذو سعر مرتفع.

وبينما يبلغ سعر لتر اللبن حوالي الدولار يتراوح سعر لتر البترول بما دون العشرين سنتاً بعد دفع تكاليف الحفر والتنقيب والتكرير وغيرها. كما أن عائد البترول مقسم بين شركات البترول والدول المنتجة. بينما البقر لا يتقاسم ملكيته أحد.

ولهذا تبني أثيوبيا سداً هائلا لحجز كل مياة النهر ولتوليد طاقة كهربائية هائلة من المياة.

ومستقبل الدول الخليجية مرتبط بقدرتها على التحول سريعاً من إقتصاد الوقود لإقتصاد الصناعات التقنية الحيوية ومعه قدرتها على النفاذ من الكماشة الهائلة الحالية ما بين إيران من جهة والدولة الإسلامية من جهة آخرى.

ومستقبل مصر مرتبط بالتخلص من حالة التبعية الخارجية الهائلة والفساد الداخلي الذي تاجر وفرط في ثروات ومقدرات الدولة الإستراتيحية وإرثها التاريخي.

وكل الدول والممالك البترولية عربياً وعالمياً التي تحكم شعوبها بقبضة من حديد، ستتآكل قبضتها وسيتقلص دخلها وسيقل إنفاقها على الأمن الداخلي والخارجي وستصبح أقل هشاشة وإستعدادا للفوضى من الداخل والإحتلال العسكري من الخارج.

هذه التغييرات الحيوية الهائلة تفتح الباب لأصحاب العقول وأصحاب الخبرات وأصحاب الأحلام. وقبل ذلك لكل دعاة الخير ممن يعملون لخير بلادهم وأوطانهم بإخلاص.

واليائسون سيلتهمهم الطوفان الذي يبتلع كل الدول التي نخرها الفساد والًظلم من داخلها.

والدول التي تحكم بالظلم والطغيان وترتبط بالصراع على الماء والبترول ستنهار بالفوضى من داخلها.

ومن يملك الماء، يملك الغذاء، ودول بلا غذاء ستنتهي بالمجاعات والإقتتال الداخلي.

والعبرة ليست بما تملك من ثروة وإن كانت بترولا ووقوداً بل بكيف تستثمر قدراتك وتحافظ وتنمي ما تملك حتى وإن كان مجموعة من البقر.

والدول التي تضطهد علمائها المخلصين وتطردهم وتشوه تاريخهم وتقضي على تراثهم العلمي ستنتهي بالزوال الكامل في عالم يعتمد على العقل وعلى الصناعات التقنية في عصر ما بعد البترول.

تعليقات